موضوع: تفسير قوله تعالى { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } الخميس فبراير 24, 2011 2:32 am
السلام عليكن ورحمة الله وبركاته
الآيات آل عمران110 فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
أما بعد : فمما تلي في هذه الليلة ، قول الله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ{110} لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ{111} ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ{112} يظهر من ظاهر هذه الآية أن الخيرية لهذه الأمة انتهت ، لأنه قال { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } يعني فيما سبق ، كأن ظاهرها يدل على أن هذه الأمة لم تنل ولن تنال الخيرية في آخر حياتها وعمرها ، وهذا ليس مرادا ، فمعنى قوله تعالى { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } يعني في علم الله مما كتبه في اللوح المحفوظ ، فقد كُتب في اللوح المحفوظ أن هذه الأمة وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير الأمم ، ولذا جاء عند الترمذي قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( أنتم توفون سبعون أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ) وفي رواية ( إنكم تتمون سبعون أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ) فهذه الأمة كأنها مستقاة ومستوحاة من بين الأمم لفضيلتها ، وما حصل لها من فضيلة فباعتبار فضل رسولها صلى الله عليه وسلم ، ثم لو تأملنا فيما بعدها ، قال عز وجل { أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } كأن هذه الأمة وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم أخرجت واصطفيت من بين الأمم من أجل أن تكون خيرا للناس ، فأنت يا عبد الله ممن تنتسب إلى هذه الأمة ، فلا يليق بك أن تعصي الله ، لا يليق بك أن يرى خلق الله من الكفار والمشركين أن يروك على غير ما يريده الله منك ، فأنت من بين هذه الأمة المصطفاة { أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } فكأن هذه الأمة مطالبة بأن تسدي الخير للناس ، فما هو هذا الخير ؟ هو خير الدين ، لكن متى تحصل هذه الخيرية لهذه الأمة ؟ هي حصلت لأسلافنا من الصحابة والتابعين وفي القرون المفضلة رضي الله عنهم ، لكن متى تحصل لأواخر هذه الأمة ؟ قال جل وعلا مبينا أن الخيرية ما نالتها هذه الأمة عبثا ، ولا هي بالتمني والأهواء – لا – إنما بالفعل { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } ما الصفات ؟ { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } وهذا إن دل ، يدل على أن قوام الأمم لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا بالإيمان وبالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر ، لأنها إذا قامت بهذه الأشياء الثلاثة رحمها الله ، ولذا قال جل وعلا في سورة التوبة { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } ما صفاتهم ؟ { يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ } ما العاقبة ؟ { أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71 { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55 ، لا يمكن أن تستخلف هذه الأمة ولا يمكن أن يكون لها قوة ولا سلطة في الأرض مادامت مبتعدة عن هذه الصفات { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } ولذا ما نقرأه في الصحف من بعض الصحفيين هداهم الله من اللمز والطعن في بعض منسوبي الهيئات ، هذا مما لا يريد للمجتمع خيرا ، لأن الأمة لا يمكن أن تصلح أحوالها إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولذلك أشاعها عمر رضي الله عنه قال ( رحم الله امرءاً أهدى لعمر عيوبه ) وهو عمر رضي الله عنه ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند مسلم ( الدين النصيحة ) فهذا مما يجب على الأمة أن تتواصى به [ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ] { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } ثم قال جل وعلا بعدها { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم } يعني لو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم ، ولا شك في ذلك ، ثم قال { مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ } كعبد الله بن سلام رضي الله عنه { وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } كمن بقي على كفره ، ثم ما الذي بعدها ؟ مما يدل على أن هناك ارتباطا بين أول الآية وبين الآية التي بعدها ، قال { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } يعني هؤلاء اليهود { لَن يَضُرُّوكُمْ } أنتم أيها المسلمون{إِلاَّ أَذًى } باللسان ، فليس عندهم سلطة ولا قوة إلا باللسان ، وهذا يدل على أن هذه الأمة تعلوا على اليهود ، متى ؟ إذا تحققت معها هذه الصفات الثلاث { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } ولما أصاب المسلمين ما أصابهم في هذه الصفات الثلاث ، ما الذي جرى ؟ أصبحت اليهود يتطاولون علينا، مع أن الله سبحانه وتعالى وعدنا بأن اليهود لا يمكن أن يصل إلينا منهم ما يضرنا إلا باللسان { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ } ليسوا منهزمين فقط – لا – بل حكم عليهم بحكم آخر { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } ما السبب ؟ { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ } لأن الضرب فيما سبق : يقصد منه أن يؤتى بختم على قطعة معدنية ويوضع عليها حتى يكون رمزا ورسما ، مثل بعض النقود المعدنية ، عليها رسم وكتابات معينة ، هذا هو معنى الضرب ، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى أوقع في قلوبهم هذا الذل وهذه المهانة ؟ { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ } أينما وجدوا ، في أي مكان { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ } بأن يؤمنوا بالله عز وجل { وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ } كأن يعاهدوا المسلمين على دفع الجزية ، لكن الآن لا إيمان منهم ولا دفع جزية ، ما السبب ؟ لأننا ضعفاء ، ما سبب ضعفنا ؟ قلة إيماننا ، ضعف في الأمر بالمعروف وفي النهي عن المنكر { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ } لكن الخلل والهون فينا . { وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ } تكرر الضرب مرة أخرى و{ الْمَسْكَنَةُ } هي الفقر ، لو قال قائل : سبحان الله ! { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ } مع اليهود في هذا العصر هم أغنى شعوب العالم ، وهذا شيء معروف ، اليهود هم أغنى شعوب العالم ، فكيف يكونون فقراء ؟ قال العلماء : المقصود من المسكنة فقر القلب ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( ليس الغنى غنى المال ، لكن الغنى غنى القلب ) وهذا مما يشاهد ، نرى بعضا من الناس لا يملك إلا الشيء القليل من المال ومع ذلك تجده غني النفس ، إذا نظرت إلى حاله في بيته وفي تعامله وجدت أنه من أغنى الناس ، لكرمه وخيره ولمد يده من العطاء ، بينما بعض الناس يمكن أن يكون ماله مالا وفيرا ، ومع ذلك نفسه لا ترى الخير { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ } يعني أنهم فقراء مع أنهم مليئوا اليد من المال ، وهذا شيء الآن مشاهد ، الآن تُجرى محاكمات وتنسب تهم مالية إلى رؤسائهم بأنهم اختلسوا وسرقوا ، وهذا واضح ومشاهد ممن يطلع على الأخبار في هذه الأيام وفي الأيام الماضية ، حتى الرؤساء منهم تنسب إليهم التهم بالاختلاسات والرشاوى وما شابه ذلك من هذه التهم المادية ، مع أنهم أغنياء ، لكن الغنى ليس غنى اليد ، وإنما هو غنى القلب { وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } ثم كرر مرة أخرى { ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } كأن الله سبحانه وتعالى يقول يا أمة محمد إن عصيتم واعتديتم فحالكم كحال اليهود ، ولذا لو سبرنا أحوال المسلمين في غالبهم – ونسأل الله السلامة والعصمة – نجد أن حب الدنيا قد وقر في القلب ، وهذا شيء ملحوظ ومشاهد ، الحرص على فعل الخير قليل ، ومع ذلك ما الذي حصل ؟ انقلبت الآية ، يعني متى تكون لنا العزة على هؤلاء ؟ متى يكون لنا النصر ؟ متى يكون هؤلاء اليهود أذلاء محتقرين مهانين مضروبة عليهم الذلة ؟ إذا قمنا بالصفات الثلاث{ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } متى ما أسقطنا شيئاً من هذه الأشياء أو ضعفنا في شيء من هذه الأشياء فليعلم أن الذلة راجعة إلينا ، لأنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه حسب ولا نسب ، إنما هو بالتقوى ، ولذلك لو آمن من آمن من اليهود فإن هذه الصفات المذمومة تتخلى عنهم ، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بالخير وبالعمل الصالح ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
موضوع: رد: تفسير قوله تعالى { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } الجمعة فبراير 25, 2011 1:02 am
موضوع: رد: تفسير قوله تعالى { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } الجمعة فبراير 25, 2011 6:39 am